أمور علمني إياها الأنمي .. ولم تفعل المدرسة

بسم الله الرحمن الرحيم

إننا كجيل عاصر بدايات التقنية والانفتاح أمام أفاق جديدة وأفكار غريبة

وكجيل عاصر بدايات دخول الأنمي إلى العالم العربي سواء بصورته الحالية من التوسع 

أو في طفولتنا من تقديم جهات الدبلجة العريقة أيام مجدها..

قد نختلف بصورة كبيرة عن الجيل الذي سبقنا والجيل اللاحق وإن صح لي القول "الجيل 

الحالي" بما أننا الآن قد ولى زماننا كمواليد التسعينات و الثمانينات.

عادتي أني لا أحب التعميم ولكن جيلنا هذا قد غرست فيه أفكار جميلة وأخلاقيات 

رائعة بفضل فترة طفولتنا قلما تجده في أطفال هذا الجيل.. فياترى ما سبب هذا 

الاختلاف؟

كطفلة نشأت على مشاهدة أنميات راقية قديمة وحكايات مفعمة بالمشاعر 

والأخلاقيات النبيلة التي كان عمالقة الدبلجة قديماً ينتقونها بعناية وحرص لتقديمها 

إلى الطفل العربي حيث أنها تناسب تفكيره ودون الحاجة للتحريف أو التأليف

تلك الأخلاقيات والقيم للأسف لم تكن تتم محاولة غرسها وتأصيلها فينا كأطفال 

في المدرسة بطريقة عملية ومحببة وإنما فقط نقرأها كقصة مملة مبتذلة في كتب 

المطالعة أو كأوامر قسرية لا يتم تطبيقها على أية حال من الأحوال.. والأمر والأدهى 

من ذلك أنه نادراً ما يتم تطبيقها في المجتمع أصلاً.. فما قيمة خصلة حميدة معينة 

تدرسها لي معلمتي في الصف لتخرقها فوراً هي نفسها حالماً تخرج؟ أليس من 

المفترض أن تكون هي المثل الذي أحتذي به؟ أليس من المفروض أن تطبق هي أولاً 

ما تعلمنا إياه؟..

في الأنمي نرى شخصيات حية محببة وقريبة إلى قلوبنا تحمل كل تلك المعاني 

الجميلة التي نتعلمها في المدرسة كأساطير لا وجود لها على أرض الواقع.. أبطال 

الأنمي يجعلوننا نقع في حبهم فنحاول أن نتمثل بهم بدلاً من أن يعلمونا في 

المدرسة أن لدينا نبياً له كل مكارم الأخلاق ويحببونا به لكي يكون هو مثلنا الأعلى.

وفيما يلي بعض الأمور والأخلاقيات الجميلة التي علمني إياها الأنمي وأبطاله بينما 

فشلت المدرسة في تمكيني من الشعور بأهميتها أو إمكانية التحلي بها..

1- مبدأ الخير والشر:

الخير والشر كلمتان مترادفتان دائماً نسمعهما في أغاني الأنمي القديم.. حيث البطل 

يحارب الأشرار بقواه الخيرة ويساعد المظلومين وينشر العدالة.

البطل الخير دائماً محبوب ومحظوظ وينال السعد وحب الآخرين، على عكس الشرير 

الذي يكون دائماً قبيح المنظر منفراً لئيماً لا يحبه أحد ولا يحب أحداً.

كل ذلك قد ولد فيَّ رغبتي الدائمة في الانضمام إلى جانب الخير وتفضيله على جانب 

الشر بسبب الأبطال وتضحياتهم التي تسرق القلوب وتخلب الألباب.. متى تم تعليمي 

في المدرسة أن الخير يمكن أن يكون له مردود طيب إلى هذه الدرجة؟ التخويف بنار 

جهنم ودخول الجنة فقط لأن دخول الجنة أمر جميل؟

لماذا يتم تعليمنا أن نعمل الخير فقط لنكافأ في النهاية بالجنة؟ لم لا يعلموننا أن 

فعل الخير أمر جميل والإنسان مجبول عليه .. أن نفعل الخير فقط لمجرد أن نسعد من 

حولنا ولا نفكر بالمقابل؟ 

علمونا أن الابتسام في وجه أخيك صدقة.. لكن نسوا أن يعلمونا الصدقة هي ليست 

مجرد سبيل للوصول إلى الجنة لكنها تجعل الحياة أسهل وأجمل لنا ولغيرنا.

حتى في الكثير من عباداتنا كمسلمين .. 

صلِّ لكي تنجو من عذاب القبر .. صم لكي تدخل من باب الريان .. احمد ربك على 

النعمة كي لا تزول.. لماذا نتعامل مع الله تعالى على أننا نؤدي عملاً ومن حقنا عليه جل 

وتعالى عن ذلك مكافأتنا عليه.. كأننا نؤدي له سبحانه خدمة وننتظر المقابل؟ ما هذه 

الوقاحة؟

لكن بسبب مبدأ الخير الذي علمني إياه الأنمي أصبحت كإنسان أؤدي عباداتي كالآتي:

أصلي لأن لي رباً محسناً أرحم بعبده من الأم بولدها يستحق أن أكون له خير عبد

أصوم لأن كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لله ويحبه

أحمد ربي على كل نعمة لأنه يستحق الشكر ولأني أحبه والنفس مجبولة على حب من 

أحسن إليها.

2- مبدأ الجزاء من جنس العمل:

اعمل الخير اليوم لتحصده غداً.. من منا لم يسمع بهذه المقولة؟ لكن السؤال هو من 

منا يطبقها بالفعل؟

في الأنمي الشخصيات الشريرة تطغى.. تتجبر.. تظلم.. تسرق وتقتل ولكن دائماً في 

النهاية يكون مصيرها سيئاً مشابها لما ارتكبته في الماضي.

بسبب ذلك أصبح مجرد التفكير في الإقدام على الشر يجعلني أفكر بما سيرتد علي 

من التأثير في المستقبل.. مجرد إيذاء شخص آخر أو كائن حي آخر.. مجرد فكرة أن 

كائناً حياً يتألم بسببي.. أضع نفسي في مكانه.. لو حصل لي نفس ذلك الألم فسوف 

أعاني.. كيف أسبب تلك المعاناة لمخلوق آخر؟ شعور غير جميل!

ليس  فقط لحرمة الشر وإيذاء الآخرين.. إنما لأننا شاهدنا وعشنا قصصاً بكل 

محاورها تعلمنا وتغرس فينا لا وعياً أن الشر والظلم مؤلمان لكل من الظالم 

والمظلوم.

طرفة جانبية: عندما كنت طفلة كنت أكره الحقن والإبر وأخاف منها كل الخوف.. 

رغم أن الأمر أصبح الأمر عادياً بالنسبة لي الآن بسبب كوني فتاة وعلي أن أعتاد على 

كل الإبر والآلام المترتبة على تحاليل فقر الدم والأنيميا وغيرها من أمور البنات.. 

وكذلك بحكم مجالي الذي يجبرني على استخدام الحقن على الآخرين.. في البداية 

كنت "أتألم" للشخص الذي أقوم بحقنه حتى لو لم يكن هو نفسه يتألم للحقنة 

وأكره نفسي أكثر لو كان طفلاً ..أتذكر معاناتي مع الحقن وخوفي منها وأكره أن 

أسبب ذلك الخوف لطفل أو حتى رجل بالغ بيدي..

من الأمور التي لا زلت أحاول التدرب على تخطيها ^^"

3- الغد أجمل:

أبطال الأنمي يواجهون الكثير من المصاعب والمتاعب.. الحظ العاثر دائماً يلازمهم 

في بداية الحكاية.. لا أمل يلوح في الأفق ويبدو أن المعاناة ستستمر إلى ما لا نهاية.

رغم ذلك فالتفاؤل لا يفارقهم وحب الحياة ينبع منهم. يعاملون الآخرين بكل ود 

مهما كانت الحياة تعاملهم بكل قسوة.

إن غربت شمس اليوم فلابد أن تشرق في الغد!

"وتعطينا الحياة أضواءً في أخر النفق.. تدعونا كي ننسى ألماً عشناه

نستسلم لكنا مادمنا أحياء نرزق.. مادام الأمل طريقاً فسنحيا"

ما أجملها من كلمات..

تشربنا دروساً رائعة في فن التعامل مع الأخرين بفضل هكذا أنميات رافقتنا في 

طفولتنا.

في مجتمعنا مثلاً الأب يأتي من العمل مثقلاً بهموم رؤسائه في الدوام والديون 

والأقساط والميزانية وينفس تشاؤمه من الواقع الخارجي في أهل بيته .. الأم تنفس 

غضبها من زوجها على الأولاد المزعجين الذين لا يقدرون تعبها عليهم.. الأطفال 

ينفسون عن غضبهم بإخوتهم الصغار أو الأطفال الأصغر منهم سناً في المدرسة 

أو حتى معلميهم.

أمثلة كثيرة على سبيل العموم لا الحصر.. لاشيء من كل ذلك يغرس أهمية التفاؤل 

وأن الغد لابد أن يكون أجمل.. وما بعد ظلام الليل إلا الفجر.. كيف يتعلم من ينشأ في 

بيئة كتلك فن التفاؤل و الأمل؟

من واجبنا نحن كمسلمين أن نعرف هذا المبدأ جيداً كأسمائنا ونطبقه ونكون أعلم 

الناس به فلدينا رب رحيم يقول "إن مع العسر يسرا" ولكن تجدنا أبعد الناس عن ذلك.

4- لا يأس مع الحياة:

في الأنمي البطل قد لا يكون محظوظاً وسعيداً وموهوباً على الدوام.. قد تتكلل 

حياته ومسيرته طوال القصة أطناناً من التجارب المحبطة والفشل المتكرر.

أبطال علمونا أن الموهبة قد لا تكون مطلوبة لتحقيق الأهداف.. أن العمل الجاد 

يحقق المستحيل.. أن المحال ليس موجوداً إلا في خيال الكسالى.

تعلمنا أن الفشل ما هو إلا دليل على أنك قد جربت وحاولت.. ومن لا يفشل معناه أنه 

لم يحاول فعل أي شيء أصلاً! 

أما من يفشل في المدرسة فهو بليد .. من يرسب فهو أحمق كسول.. النجاح 

الأكاديمي هو الدليل الوحيد على أهميتك في هذا العالم.. لست ذكياً؟.. ترسب 

وتفشل حتى بعد محاولاتك؟ لا تحب الدراسة؟ لا تجيد مواد معينة؟.. لا مكان لك في 

الحياة ببساطة. .. هذا أكبر خطأ.

الحياة واسعة والطرق فيها متعددة وتلك ببساطة طريقة تفكير سطحية غبية.

5- قيمة الحياة والنفس:

من منا لم يبكِ لموت شخصية محببة لديه؟ من منا لم يشاهد فيلم مسرح الحياة في 

طفولته ويعش رعب الحروب وفداحة القتل؟

سواء كانت نفساً بشرية أو حيواناً أو حتى نبتة .. فالحياة هي الحياة ومن المؤلم 

فقدانها.. لا شيء يبرر سلب حياة كائن حي بريء.

تعلمنا في المدرسة أن القتل حرام والله تعالى يعاقبنا عليه.. لكننا لم نتعلم لم قد 

يعاقبنا الله تعالى لو قتلنا؟ ألأنه هو الخالق ويحق له هو وحده سلب الحياة؟ هذا 

صحيح ولكن.. ديننا يقول لنا أن القتل حرام لأن الحياة لها حرمتها.. لأنه من المؤلم أن 

تسلب الحياة تبعد ابناً عن أمه.. تيتم طفلاً أو تزهق روح حيوان أو تفسد زرعاً..

ليس فقط لأن ذلك حرام .. بل لأنه يسبب الألم والمعاناة.. مجرد فكرة ازالة حياة عن 

سطح هذه الأرض لغير سبب.. مجرد التفكير بالألم الذي يترتب عليه إنهاء حياة 

كاملة بكل الاحتمالات التي قد تنتج وكل الفرص التي كانت لتكون أمام الروح التي 

قتلت.. أليس هذا وحده سبباً كافياً لردع أي شخص من ارتكاب جريمة القتل؟

شيء آخر مما علمني إياه الأنمي في طفولتي هو أن الحياة غالية وجميلة وأنها لو 

سرقت فلا يمكن أن تعود.. فكيف يخطر لي أن أسبب كل ذلك القدر من الدمار؟

ليس فقط لأن القتل حرام.. بل لأن الحياة غالية.

6- العلاقات البشرية الجميلة:

جزء كبير من نمو شخصيتي العاطفي والأخلاقي يعود الفضل فيه إلى اختيارات الأنمي 

الراقية قديماً..

كيف برأيكم سينمو طفل تابع مثلاً أنمي "روميو والسماء الزرقاء" أو ما نعرفه 

بـ"عهد الأصدقاء" وعاش كل تجاربه والمشاعر الجميلة الصادقة التي يحتويها؟

علاقات بالغة الجمال وصداقة حقيقة مبنية على المشاعر الصادقة وخالية من 

المكاسب والزيف.

ليس فقط الصداقة وإنما شتى المشاعر الإنسانية الجميلة كالحب والإخوة وغيرها.

7- نعمة الأم.. والعائلة:

ريمي التي فقدت حنان الأم ورغم ذلك لديها من الحنان والعطف ما يكفي ليشمل 

الجميع حتى حيوانات العم فيتالس..

ساندي بيل التي لم ترَ أمها ولا حتى في الصور ورغم ذلك "يتيمة لا تشكو ولا تسأم 

وتحب كل الناس"

شخصيات عشنا معها معاناتها حلقة بحلقة.. وشعرنا بالامتنان لأننا نملك أمهاتنا 

وعائلة تحبنا وتهتم بنا.. بل وحتى نستشعر الألم الذي يحس به اليتيم الذي لا أم له.

إن لم تكن يتيماً فلا فكرة لديك عن ألم فقدان أحد الوالدين.. هذا صحيح ولكننا عشنا 

هذا الألم بكل تفاصيله مع شخصياتنا المحببة وانعكس ذلك على نظرتنا للأيتام في 

الواقع عندما كبرنا.

انعكس ذلك على نظرتنا لوالدينا وجعلنا ندرك أهمية وجودهم في حياتنا وما كان 

ليحصل لنا ولتؤول عليه حالنا لو أننا فقدناهم. مجرد وجود أمي وأبي على قيد الحياة 

وبجانبي لهو أمر علي أن أكون ممتنة وشاكرة لربي عليه ليلاً ونهاراً.

ممن أطفال هذا الجيل يمكنه الإحساس بمثل هذه المشاعر الرائعة؟ يوجد منهم من 

يفعل نعم ولكن.. القليل للأسف يقدر دور والديه في حياته.

علاقتهم مع الوالدين مبينة  على الأخذ دون العطاء.

8- كن نفسك:

ليس هناك أجمل من أن تكون على طبيعتك.. قد يرفضك الآخرون.. قد يرونك غريباً

لكن أليس ذلك أفضل من التصنع وعناء الكذب؟

من الممتع أن تجد شخصاً يحبك لنفسك ولا تضطر معه لارتداء الأقنعة.. هذا ما 

علمني إياه الأنمي ولم يعلمني أي شخص.. بل بالعكس.. رغم أن النفاق مرفوض 

ولكن يجب باستمرار أن أتصنع لهذا وأتصنع لذاك حتى لا أسبب الحرج لمن حولي..

أليس هذا تناقضاً ومرهقاً لعقلي الصغير كطفلة؟ كيف سأفهم أن النفاق أمر 

سيء كما قيل لي في المدرسة بينما كل من حولي يمارس التملق والتصنع؟

علمني الأنمي أني مهما كنت غريبة الأطوار فسأجد شخصاً يتقبل غرابتي ولا يحكم 

علي بالظاهر.

لا داعي لأن أشبه الآخرين.. فكل إنسان جميل بطريقته الخاصة ومميز بما يتفرد به.

تعلمت أن أجد الأشياء التي أحبها في نفسي وأتمسك بها.. أن أحدد ما أحب فعله 

وأفعله حتى أحب نفسي لأني أفعله.

وليس فقط في نفسي.. تعلمت كذلك أن أنظر للآخرين بنفس المنظور وأجد فيهم 

الجميل رغم ما يظهر من عيوبهم.

9- حب الوطن والانتماء:

"شرف الوطن.. أغلى منا ومن.. ما قد يدور بفكرنا في أي زمن"

"أبرقي أرعدي أبطالاً وعدوك أنبل وعد.. ما هنت ولن تهيني بل من أجلك ثار اشتد"

من أجمل ما قيل في حب الوطن.. ومن أجمل الطرق لتخليد هذه الكلمات في أذهاننا 

وجعلنا ننشأ ونكبر ونتذكرها دائماً وأبداً.

كثيرة هي الأنميات التي كبرنا معها وتتحدث عن الوطن وحبه والدفاع عنه أمام كل 

من يهدد أمنه.

أبطال يثيرون الحماس، تضحيات تثير الإعجاب.. تجارب وقصص نعيشها بكل 

تفاصيلها ونتعلق ونزداد تعلقاً وحباً بها ونعكس ذلك حباً لأوطاننا وأرضنا.

عصير الكلام:

طرق التلقين القديمة والعصا لم تعد تنفع في زماننا هذا.. أطفالنا ما عادوا يخشون 

ولا يخافون.. والخوف والتلقين ما كان يوماً طريقة للتعليم، فالإنسان يتعلم لا يُلقَّن.. 

قد تقولون أنني قديمة الطراز ومن شاكلة الذين يقولون:"عندما كنت في مثل عمرك كنت...."

أعي فعلاً أن كل زمان مختلف عن ما سبقه ولا يمكن مقارنته.. لكن المبادئ والقيم 

الجميلة دائمة وثابتة لا تتغير في أي جيل وزمان.

ليت "أيام زمان" تعود يوماً لأخبرها ما فعلت سبيس توون وكارتون نتورك وإم بي 

سي 3 .. أطفالنا أصبحوا خالي الفكر أنانيين لا يحبون الحياة ولا الغير.. فئة قليلة فقط 

ممن أحسن أهلهم تربيتهم قد لا أستطيع أن أحسبهم ضمن ما سبق وأنا أعي ذلك.

لكن أستطيع أن أقول بكل ثقة واسمحوا لي بقليل من الغرور هنا:

"إن جيلنا لا يعوض" ^___^

أشكركم كالعادة على قضاء الوقت لقراءة هذه التدوينة

أتمنى أن تكون ممتعة رغم أني أشك في ذلك..

أرجو أن تعذروا ثرثرتي :)