الاثنين، 14 يناير 2019

لا بأس بأن تكون وحيداً



الوحدة، أو كما يفضل البعض الاشارة إليها بمصطلحات أقل حدة.. كالعزلة.. الإختلاء بالذات وأحياناً "بعض الوقت مع نفسي"، ترى في كثير من الأحيان كأمر سلبي أو حتى كدليل على الاكتئاب والعزلة الاجتماعية. بينما في الواقع هي أمر طبيعي تماماً وبعض أصناف البشر مجبولون عليه بطبيعتهم، فكما هو من الصحي أن نحظى ببعض الرفقة، من الجيد كذلك الحصول على وقتٍ مستقطع، فالقلب أحياناً يحتاج إلى رفقتك كذلك ومن الجميل تخصيص بعض الوقت للانصات له وحده دون وجود من يقاطعه.
يقول باولو كويلو على لسان إحدى شخصياته في كتاب (الخيميائي): "أنصت لقلبك، فهو يعرف كل شيء، لأنه يأتي من روح العالم وإليه سوف يعود يوماً ما".




شيء نستمتع به
الرغبة في البقاء وحيداً هي صفة طبيعية وسمة موجودة في العديد من أنواع الشخصيات. الوحدة ليست شيئاً يستوجب الشفقة ولا تعني أبداً العزلة الاجتماعية ولا الكآبة. والشخص الذي يحب البقاء وحيداً يجب أن يفهم من حوله من الاجتماعيين أنه يستمتع فعلاً بقضاء الوقت مع نفسه ولا يدل ذلك على وجود مشكلة ما فيه.
أحب أوقاتي النادرة التي أقضيها وحيدة وأستفيد منها لأقصى حد. أمارس هواياتي وأروح عني نفسي. آخذ استراحة يستحقها عقلي وبدني لأواصل بعدها تقديم أفضل ما لدي. عن نفسي؟ أواصل قراءة ذلك الكتاب الذي ظل ينتظرني طوال اليوم أو أشاهد فيلماً كنت أنا أنتظره. أنجز مشروعاً أو أبدع أي ابتكار.. وغيرها الكثير والكثير من الاحتماليات.



التفكير والتخطيط
وقتك بمفردك هو الأنسب لإطلاق العنان للعقل بالتفكير دون الملهيات الخارجية. عندما تكون محاطاً بالآخرين فقراراتهم و خططهم تؤثر عليك لا إرادياً وقد تغشي عين عقلك عن إرادتك الذاتية. لتنظر إلى الأمور من زاوية أخرى وبغير العين التي يرى بها الجميع.
العزلة تمنح وقتاً ومساحة أوسع للأخذ بعين الاعتبار المزيد من الخيارات والمزيد من المسارات والاحتمالات.



الخوف والقلق
صحيح أننا قد نهرب من الوحدة لأنها تذكرنا بتلك المخاوف الكامنة والأفكار المظلمة التي لا تخرج إلا قبيل وقت النوم وفي ساعات الظلام.
لكن الخوف أحياناً أمر جيد. علينا أن نخاف لنحذر. نقلق من أمر معين فنعمل لتجنبه أو إصلاح عواقبه أو على الأقل.. التعايش معه. الخوف آلية دفاعية ما خلقت عبثاً.
في ساعات الوحدة تسمع صوت عقلك الباطن بوضوح أكثر يحذر وينذر.. قد يبالغ أحياناً ولكن أحياناً أخرى تكون الندامة هي في تجاهله.



التأمل والتدبر
الأنبياء، العلماء، المفكرون والفلاسفة وعظماء الشأن كانت الخلوة عادتهم وكان لهم من أنفسهم رفيق. يتولد نوعٌ من الصفاء الذهني والنفسي يمكنك من الاستيعاب بشكل أكبر لكل ما يحيط بك. تسمع صوتك الخاص وتكون موجوداً في كل من حاضرك وماضيك ومستقبلك في آنٍ معاً.



التعلم والتطور
بعض الناس تتعلم بالمشاركة وتبادل الأفكار، والبعض الآخر يحتاج الوقت والمساحة المناسبتين ليناقش مع نفسه ويحاورها ويعرف أين يكمن ذلك الجزء غير المفهوم من العالم وتفكيكه إلى وحدات أصغر وتقليبه من كل الجهات حتى ينكشف أخيراً.
عندما تكون وحيداً تتخلص من كل زخم الأفكار المشتركة والنظريات المتضاربة والمناقشات المضللة. تبقى فقط أنت وعقلك ولديكما كل الوقت في العالم للفهم والتعلم والابداع والابتكار.



كونك وحيداً يعطيك الفرصة للملاحظة والانتباه
تعلم عن نفسك.. افهمها وأحبها. تعلم عن الآخرين. العبارات والحركات ولغة الأجساد والوجوه.
استراتيجية مفيدة يستخدمها القادة عند الاستعداد للتفاوض أو الدخول إلى محيط مجهول بالنسبة لهم وهي المراقبة والملاحظة والتخطيط قبل الانخراط. يمكننا استعمال اللحظات الصامتة في اليوم لملاحظة الاشخاص من حولنا ولنعرف بم يفكرون وكيف يفكرون، ما يرضيهم وما يثر حنقهم.. نقاط ضعفهم وقوتهم. من أكثر الأشخاص ملاحظة هم الانطوائيون ولديهم القدرة على كشف نقاط ضعف الآخرين واستعمالها -ضدهم أو على العكس تماماً: لمساعدتم- كيفما شاؤوا.



أن تكون وحيداً ليس شيئاً تخجل منه
إن كنت راضياً شخصياً عن نفسي كما أنا. أستمع بوحدتي وأمارسها في حدود الصحي والمعقول فلم يجب علي أن أخجل من كوني وحدي؟ لا أحد لديه الحق ليحكم على جودة حياتك ولا شخصيتك إن رآك وحدك في مكانٍ عام. لا أحد لديه الوقت الكافي ليكون نظريات عن شخصيتك ولا أن يأبه كفاية.. وإن فعل فما هي إلا لحظات وتنتهي وينتهي معها الفضول.
ورغم كل ذلك، ثمة لحظات نشعر فيها بالاحراج لكوننا وحدنا في مكانٍ عام سواء في العمل أو الفصل الدراسي أو حتى في المركز التجاري على سبيل المثال لا الحصر. اغتنم تلك الحظات وعشها. التقط هاتفك المحمول وراسل صديقاً أو العب لعبة ما أو تصفح موقعاً على الشبكة أو حتى تصفح الصور القديمة التي التقطها هاتفك وتذكر اللحظات وابتسم لنفسك قليلاً.
اقرأ كتاباً أو مجلة أو قصة مصورة أو اشرب كوباً من القهوة أو ادع نفسك إلى وجبة لذيذة فعندما تكون بمفردك لا داعي لتلاحظ طريقة أكلك ومضغك أو ما إن كان مرفقاك يستريحان على الطاولة أو لا. تلك اللطخة الصغيرة من الصلصة أو الكريما على طرف الطبق لا يمكن اصطيادها بالملعقة؟ لا بأس باستخدام طرف اصبعك! فتلك من النعم الجميلة لكونك وحدك فلا أحد يراقبك.

.
.


 عصير الكلام:
رغم أن الحياة أثمن وأقصر من أن نقضيها وحدنا. وبالرغم من كمية الخبرات والمعارف والتجارب التي يمكن اكتسابها بمخالطة الآخرين، إلا أن الوحدة ليست عيباً. لا أحد يمكنه الانتقال من الانطوئية إلى الاجتماعية في طرفة عين. "كن اجتماعياً" أو "تحدث أكثر" أو "تعلم كيف" كلها أمور من السهل قولها. 

إلى ذلك الشخص الاجتماعي الذي نعرفه كلنا وقابلناه في مرحلة ما من مراحل حياتنا والذي يظن أن الناس جميعاً خلقوا اجتماعيين مثله ويهوى توزيع النصائح الاجتماعية. بربك توقف!.. وحدتي هي أمر يخصني لأستمتع به وأتعايش معه كما ينبغي وأحقق منه كامل الاستفادة.
لا أدعي أني خبيرة اجتماعية في أي حال من الأحول ولا زالت دراستي لطب النفس مستمرة، ولم أدرس علم الاجتماع المتخصص بعد. كل ما سبق هو من وحي تجربة شخصية ورغبة في مشاركة الفائدة و محو الفكرة الخاطئة ومساندة كل انطوائي مثلي في الخارج هناك يظن أن ثمة خطب ما به.

.
.
أشكركم على قراءة تدوينة أخرى من تدويناتي
وأتمنى أن تكون ولو على قدر ضئيل من الفائدة.

هناك 6 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. حبيت الفكرة الرئيسية للتدوينة اللي تحاولي توصيلها و الإتصاف بها ���� ..
    لكني أرى انه وقت نصحتي بفتح الهاتف (لمراسلة صديق/للعب) اثناء الإنفراد في مكان عام جاءت النصيحة كإثبات لنظرية (ان الوحدة أمر سيئ) لذا اصطحبت هاتفك ليشعرك ان معك مُرافق أو ليشغلك عن التفكير فيما يفكر به الناس عنك أيها الوحيد ..
    إنني أرى وجوب العيش كإنطوائي بثقة وممارسة ما أحب فعلاً اثناء الوحدة .
    B.X

    ردحذف
  3. صديقني بعد السلام ترحمت عليك اكثر مما ترحمت على ابي في ليلة باردة من عام 2015 جالس فوق سطح المنزل لشدة الملل يأتني ذالك الاشعار من اليوتيب ماذا تعلمت من الانمي صوت رخيم واداء رائع وكلمات اخاذة وسرد بديع لامس قلبي جدا لدرجة لاتتصورينها كان لدي هاتف من نوعية سيئة كاسمه صعب القرأءة ولست في حاجة لاخبرك عن حال الشبكة وصل المقطع الي نهايته لاتفاجئ بانك ميتة لم ابكي بل نحت صديقني كانني ثكلى الحمد لله انني لست في غرفتي وإلا لسمعوني واتهموني بالمس او الجنون انتقلت من المقطع قفزت الي المدونة لاعيد قرأتها اكدت شكوكي بأنك ميتة الكم الهائل من التعليقات التي تدعو لك بالرحمة وانتي حية حزنت ورفضت فكرة موتك وعلقت على مقالك من حسابي القديم ب( صحيح يجمعنا حلم واحد ولساني حالي يقول الله يرحمها لازال التعليق موجودا حتى الان ) وقمت بتحميل الصورة التي وضعيتها على المدونة في هاتفي واترحم عليك كل ما رأيتها كنت احافظ عليها واحرص على ان لا تمحى مع اختلاطها بكم هائل من الصور في هاتفي مرت السنون ونسيت الصورة ونسيت كل شيء عنك وحامقتي!!! وفجأءة يوم 13/09/2019 يشارك احدهم رابط ماذا تعلمت من الانمي في مجموعة ما تصادف اني كنت فيها تذكرت وطرت الي المدونة لاعيد قرأت المدونة للمرة الالف لاكن هذه المرة بجوال احسن وسرعة اتصال لابأس بها صرت اقلب المدونة لاتفجئ بمدونتك (انا لازلت حية او على ما اعتقد) وبأن هناك تدوينات اخرى كثير رائعة وجميلة منك حتى هذه اللحظة اكتشفت ان كل التدوينات لكِ وانك حية حمدت الله كثيرا وسعدت صراحة وحرصت على قرأءة التعليقات كذالك لاحصل على بعض حسابتك في مواقع التواصل (لم احصل سوى على تويتر) ختاما احمد الله انك حية واساله ان يدمك ويديم نبض ذالك القلب والقلم اعذرني على الاطالة اختي العزيزة ولو تكرمتي ان تشاريكنا بروابطك على مواقع التواصل وخاصة فيسبوك لانك لم تشاريكه واذا لم يكن لديك حساب فيه فيا حبذا لو فتحت صفحة فيه ليتسنى لنا التواصل معك. وهذا ايملي khalifatidjani1999@gmail.com

    ردحذف
    الردود
    1. انا ايضا اتذكر في شتاء 2015 يوم نزل ليونيل زورو مقطعها كانت ايام حلوة و جميلة و رائعة حقا و لكني لم اظن ان احد يتابعها الى الآن بالمناسبة انا مولود في 01/01/1999 علما اني يوم وضعت لها تعليق ردت علي بعد شهر و تاكدت انها حية

      حذف
    2. ايه الحمد الله انها عايشة لاكنها هجرت المدونة انت اكبر مني ب 8 اشهر عزيزي عبد الرزاق انا لازلت اتابعها على هذه المدونة ارجعها اليها كل مرة

      حذف
    3. جميل جدا د
      كذلك انا لا امل من مدونتها رتاع الانمي ابدعت فيها جدا

      حذف